دبلوماسية الدولة تستعيد مكانتها في المشهد اليمني:
في تطور سياسي لافت يحمل في طياته الكثير من الرسائل، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الكرملين، الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية. تأتي هذه الزيارة في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للملف اليمني، وضمن مسار حراك دبلوماسي يعيد تثبيت صورة الدولة اليمنية وشرعيتها على الساحة الدولية بعد سنوات من التشويش الذي مارسته جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
تاريخيًا،وخصوصا بعد الحرب التي اشعلتها ايران في اليمن كانت روسيا لاعبًا دبلوماسياً حذراً في الشأن اليمني، تميل إلى مقاربة وسطية تتجنب الاصطفافات الحادة. إلا أن هذه الزيارة تعكس بداية مرحلة جديدة يمكن أن تشهد فيها موسكو انخراطًا أكثر توازناً مع الدولة اليمنية المعترف بها دولياً، بعيدًا عن أي محاولات لتطبيع العلاقات مع كيانات خارجة عن الشرعية.
رسائل الزيارة وأبعادها:
أولًا : تشكل الزيارة رسالة واضحة بأن الدولة اليمنية موجودة وتمارس صلاحياتها السيادية من أعلى المستويات، وهي المعنية وحدها بتمثيل اليمن وشعبه في المحافل الدولية. وقد سعت إيران طوال السنوات الماضية إلى تقديم ميليشيا الحوثي كطرف ممثل لليمن عبر أدوات دبلوماسية وسياسية واعلامية، منها ما تم توجيهه إلى موسكو نفسها في مقالات وتقارير مدفوعة، لكن اللقاء المباشر بين العليمي وبوتين نسف هذا الزيف وأعاد التوازن لصورة اليمن الحقيقية..
ثانيا :الزيارة تفتح أفاقاً جديدة للتعاون مع روسيا، ليس فقط على المستوى السياسي، بل في المجالات الاقتصادية والإنسانية والعسكرية، وهو ما قد يسهم في إعادة تموضع روسيا ضمن القوى الدولية الداعمة لوحدة اليمن واستقراره، لا تلك المتواطئة بصمت مع مشاريع التمرد..
ثالثا: على مستوى مجلس الأمن الدولي، فإن موقف روسيا كدولة دائمة العضوية سيكون أكثر فهماً لمقاربة الشرعية اليمنية إذا ما تبع هذه الزيارة تنسيق دبلوماسي مستمر ومثمر.. وهو ما تحتاجه القضية اليمنية اليوم، في ظل سعي الحوثيين لفرض تصور أحادي للحل، يتناقض مع المبادئ الوطنية والمرجعيات الإقليمية والدولية...!
عودة الرواية اليمنية إلى أصحابها:
لقد استغلت جماعة الحوثي الفجوة التي أحدثها غياب الدولة مؤقتًا لترويج روايتها على الساحة الدولية، محاوِلة إقناع العواصم الكبرى، ومنها موسكو، بأن ما يجري في اليمن هو "حرب داخلية على جهة سياسية مظلومة". لكن ما كشفته هذه الزيارة هو أن العالم لا يعترف بالعصابات، وأن مكانة الدولة تظل محفوظة ما دامت تتحرك بعقلانية وتخاطب الآخر بلغة المصالح المشروعة.
ختامًا، يمكن القول إن لقاء الرئيس العليمي بالرئيس بوتين لم يكن مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل هو بداية لاستعادة الشرعية اليمنية لزمام المبادرة، وتعزيز موقعها كطرف لا غنى عنه في أي تسوية عادلة، ودليل على أن اليمن دولة ذات سيادة وشعب، لا ساحة نفوذ لأجندات إقليمية..
لكن السؤال :
هل سيتم البناء على هذا التحرك ام سيظل يتميا