بحث

حين تصمت طبول الحرب النقدية.. تنطق السياسة

اشجان عفاش

في زحام المعارك الاقتصادية التي أكلت من جسد الريال ما لم تأكله الحرب ذاتها، لا يُدرك كثيرون أن المعركة النقدية لم تكن يومًا مجرد صراع أرقام، بل هي جزء من معركة سيادة، ومعركة وجود، ومعركة قرار.

منذ أن تمزق الجسد النقدي بين صنعاء وعدن، بات الريال مرآة تعكس الانقسام السياسي، لا مجرد عملة وطنية فقدت قيمتها. كان التدهور في مناطق الشرعية ليس فقط نتيجة لسوء الإدارة، بل نتيجة طبيعية لفقدان المركز المالي لدوره المركزي، في مقابل انضباطٍ نقدي صارم فرضته صنعاء رغم الحصار وشح الموارد.

حين سلطنا الضوء ــ قبل أسابيع ــ على هذا الاختلال، وعلى ما يمثله من خطر استراتيجي على أي مسار سياسي قادم، لم يكن ذلك من باب النقد المجرد، بل من باب استشراف النتائج. وها نحن اليوم نرى ــ بعد تلك الصرخة ــ تحركات متسارعة في الاتجاه الصحيح: صنعاء تطبع أوراقًا نقدية جديدة بدل التالفة دون المساس بالكتلة النقدية، وعدن تشهد تعافيًا تدريجيًا للريال، وتوفيرًا أفضل للسيولة.
وكل ذلك ليس صدفة.

فالسياسة لا تعيش في بيئة مضطربة نقديًا. لا يمكن لحوار أن يُبنى فوق رمال متحركة من أسعار الصرف، ولا لمعاهدة أن تُوقَّع في ظل اقتصاد مزدوج العملة. لهذا، جاء ملف "توحيد السياسة النقدية" مبكرًا على طاولة السلام، لا من باب المجاملة، بل من باب الضرورة.

العملة الواحدة ليست مجرد ورقة، بل أرضية واحدة لبلد تمزق. هي نبض سيادي، وخيط يربط ما انقطع، ورسالة تقول: "ما زال في الجسد اليمني بقية حياة".

إن أي حديث عن السلام دون حل جذري للانقسام النقدي، هو كمن يزرع على صخر. فكل اتفاق سياسي سيسقط عند أول هزة اقتصادية إن لم تكن هناك قاعدة مالية موحدة تحمله.

وإذا كنا اليوم نشهد إشارات لتعافي الريال، وتوفير للسيولة، وتحركات لإصلاح المنظومة النقدية، فهذه مؤشرات تُقرأ سياسياً لا فقط اقتصادياً. وكأن الحرب تهمس في أذن السياسة: "اقتربي، فقد آن أوانك".

في لحظات كهذه، تحتاج البلاد إلى نوايا صادقة، وعقول تستبق الكارثة بخطوة، لا تكتفي برد الفعل. فالحرب إن هدأت، لن تُخلّف سلامًا، ما لم نُعد ترتيب أدوات الدولة، أولها وأهمها: الريال.

اشجان عفاش

آخر الأخبار