شنغهاي للتعاون"…شراكة بلا هيمنة… وعدالة بلا شروط
الناقد نت - تقرير: عبدالعزيز سلام
في عالم يعج بالتحديات المتشابكة والاضطرابات الجيوسياسية المتصاعدة، تبرز منظمة شنغهاي للتعاون كمنصة إقليمية ذات طابع دولي، تحمل في طياتها روحًا جديدة من التعاون العادل والمتكافئ، لا سيما لدول الجنوب العالمي والدول النامية، في وقت تتعاظم فيه الحاجة إلى شراكات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
في صباح يوم 15 يوليو، وفي قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة الصينية بكين، استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ وفود الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، المشاركين في اجتماع مجلس وزراء الخارجية للمنظمة. كانت المناسبة أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي رفيع المستوى؛ لقد كانت رسالة واضحة للعالم مفادها أن هناك طريقًا آخر للتعاون الدولي، أكثر عدالة وإنصافًا، تحمله “روح شنغهاي”.
■ “روح شنغهاي”: شراكة لا تعرف الهيمنة
في كلمته الترحيبية، شدد الرئيس شي على أن منظمة شنغهاي، التي دخلت عامها الرابع والعشرين، قد رسخت نموذجًا جديدًا في العلاقات الدولية، يقوم على “روح شنغهاي” المتميزة بالثقة المتبادلة، والمنافع المشتركة، والمساواة، والتشاور، واحترام تنوع الحضارات، والسعي نحو التنمية المشتركة.
هذا النهج ليس مجرد مبادئ نظرية، بل تجربة عملية أثبتت نجاحها. فخلال عام فقط من تولي الصين الرئاسة الدورية للمنظمة، تم تنظيم العديد من الفعاليات، وتعميق التعاون بين الأعضاء في مجالات الأمن، الاقتصاد، والثقافة، وهو ما وصفه الرئيس شي بأنه خطوات “راسخة لبناء بيت مشترك جميل لدول شنغهاي”.
■ بديل عادل في مواجهة الهيمنة
في عالمٍ تتراجع فيه ثقة الجنوب العالمي بالمنظمات الدولية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الكبرى، تطرح منظمة شنغهاي نموذجًا بديلاً، قائمًا على التعددية الحقيقية وليس على الهيمنة المغلفة بالدبلوماسية. فكما أكد الرئيس شي:
“يجب أن ترفض المنظمة الهيمنة والتسلط ، وأن تعمل من أجل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدالة، واقتصاد عالمي أكثر شمولًا وإنصافًا.”
هذه الرؤية تجعل من منظمة شنغهاي أملًا لدول الجنوب التي تبحث عن منبر يُنصت إليها، ويعاملها كشريك، لا كتابع.
■ منصة للتنمية والتكامل في الجنوب العالمي
ما يميز منظمة شنغهاي، أنها ليست فقط تكتلًا أمنيًا أو سياسيًا، بل منصة شاملة للتنمية والتكامل، وهو ما يكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات التي تواجه الدول النامية، من تغيّر مناخي، إلى فجوة تنموية، إلى أزمات الديون.
الصين، من خلال طرح مبادرات كالحزام والطريق وربطها باستراتيجيات التنمية الوطنية للدول الأعضاء، تؤكد على أهمية توسيع نطاق التعاون، وتحويله إلى فرص حقيقية للنمو المشترك. دعم الصناعات، تطوير البنية التحتية، تعزيز الترابط الرقمي، وتحفيز الاستثمار المشترك، كلها قضايا مطروحة بجدية على أجندة شنغهاي.
■ صوت الجنوب في الحوكمة العالمية
ما أكد عليه الرئيس شي يعكس تحولًا أعمق في فلسفة التعاون الدولي، حيث قال إن المنظمة ينبغي أن “توحّد صفوف الجنوب العالمي” وتسعى إلى إصلاح نظم الحوكمة الدولية لتصبح أكثر تمثيلًا للواقع العالمي الجديد، لا سيما لصالح البلدان النامية.
في هذا السياق، تصبح شنغهاي ليست مجرد منظمة إقليمية آسيوية، بل لاعبًا دوليًا فاعلًا في إعادة رسم خريطة النظام الدولي، تمنح الدول النامية صوتًا أقوى، وتأثيرًا أوسع في مواجهة السياسات الأحادية والإقصائية.
■ دعم دولي متزايد… وثقة متبادلة
وفي مداخلة لافتة، عبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ممثلًا عن الوفود الأجنبية، عن دعم الدول الأعضاء للصين في رئاستها الدورية، مشيدًا بدورها في تعزيز وحدة وتماسك المنظمة، ومؤكدًا على أن “روح شنغهاي” أصبحت ذات جاذبية متزايدة على الساحة الدولية، بفضل التزامها الصادق بمبادئ المساواة والشراكة.
■ قمة تيانجين… أفق جديد للتعاون
ينتظر أن تُعقد قمة منظمة شنغهاي المقبلة في مدينة تيانجين الصينية، والتي ستكون فرصة مهمة لتقييم الإنجازات السابقة، ووضع خارطة طريق طموحة لمستقبل التعاون، لا سيما في مجالات التنمية المستدامة والحوكمة العالمية.
وقد أعرب الرئيس شي عن تطلعه للقاء قادة الدول الأعضاء خلال القمة، من أجل بحث الرؤية المستقبلية المشتركة لمنظمة تمثل اليوم نموذجًا فريدًا للتعاون جنوب–جنوب.
منظمة شنغهاي للتعاون ليست مجرد تجمع سياسي أو أمني، بل منصة عالمية تعيد تعريف مفاهيم التعاون والعدالة والتنمية في العلاقات الدولية. وبقيادة الصين، تتحول هذه المنظمة تدريجيًا إلى حامل لقضايا الجنوب العالمي، وصوت للدول التي لطالما ظلت على هامش صنع القرار الدولي.
في عصر الاستقطاب والتكتلات الكبرى، يبدو أن “روح شنغهاي” هي الصيغة التي طالما انتظرها العالم: شراكة على أساس الاحترام المتبادل، والتكامل المتوازن، والعدالة في توزيع الفرص